من أنـــا ؟
من هؤلاء ؟
الى أيـن يذهب كل الناس ؟
أفقت لأجد نفسي وسط حشد من الناس يسيرون جميعا باتجاه واحد، برغم اختلاف اتجاهاتهم في نفس الوقت. يسيرون وكأنهم لايرون وفي نفس الوقت يرون، فهم يرون ما يحلوا لهم وما لا يحلو لهم لايرونه. فاذا تعثر شخص فوقع، داست عليه أقدامهم فحطمته حتى الموت وكأنهم لايرونه.
وذاك يسأل من حوله الماء، يبدو وكأنه سيموت عطشا، ومن يسير بجواره يشرب بلا توقف وكأنه اذا توقف مات، وكأن قربته لا تفنى، وكأنه لايرى من يموت عطشا بجواره، فعينه لا تنظر تجاهه قط.
وتلك مجموعة من الناس يسيرون معا وكأنهم اخوه، فاعتقدت أني رأيت بارقة أمل، فعقدت العزم لأنضم لهم. وما كدت أبدأ المسير نحوهم حتى رأيت أحدهم يخرج من جيـبه سكينا وانقض به على من يسير أمامه واستمر يطعنه الطعنة تلو الأخرى حتى أسقطه أرضا غارقا في دمائه.
تصلبت من الدهشة مكاني، وانتظرت لأرى ما سيحدث بعد ذلك، فوجدت باقى المجموعة يهنئون القاتل ويحيونه، وكلما هنئه أحدهم تلطخت ملابسه بالدماء ووجهه ويديه واستمروا بالمسير وكأن شيئا لم يكن. بدأت أنظر لكل الناس لأرى ردود افعالهم، فلم أجد شيئا، الكل يمضي بلا توقف في مسيره، ودماء القتيل تنتشر في كل مكان، وكلما مضى الناس تلطخت أقدامهم بدمه وهم لا يشعرون أو كأنهم لا يشعرون!!
تملكني الخوف وبقيت أسأل نفسي: ماذا يحدث؟؟ أين أنا؟؟ لماذا لم يتحرك أحدا لانقاذ ذلك الذي قتل؟ أو ذلك الذي يموت عطشا؟؟ أو كل من سقطوا في الطريق؟؟
هل جن كل الناس؟! هل فقدوا صوابهم !!؟ والى أين يذهبون؟؟!!
وفجأه انتبهت لشئ لم أنتبه له من قبل، أني أسير معهم في نفس الاتجاه، وأني لم افعل شئ لانقاذ ذلك القتيل أو ذلك الذي يموت عطشا، وأني لم أمد يدي لأساعد كل من حطمته اقدام الناس في الطريق.
اذن فأنا منهم... أنا مجنون!! أنا مجنون!!
ظللت أصرخ : أنا مجنون وأنتم كذلك... أنا مجنون وأنتم كذلك... الى أين تذهبون؟؟ الى أين تذهبون؟؟!!!
لم يجيبني أحد، وبقي الصمت والظلام ولاشئ سوى أصوات أقدام الناس وتحطم العظام.
توقفت عن السير وجلست باكيا ممسكا رأسي بكلتا يدي، لملمت قدمي ولم أعد أدرك ما حولي سادا أذنيّ، وكأنني حجر أصم، أو ليظن كل من حولي ذلك أو ليظنوا بي الجنون فيتركوني وشأني.
فليكن الجنون.. فليكن الجنون.. في كلتا الحالتين.. أنا مجنون.
لازلت أحس مرور الركب من حولي، فحدثت نفسي قائلا: "متى ينتهي هذا الركب؟؟ متى ينتهي هذا الركب؟؟
متى ينتهي الجنون؟؟!!!"
ريــــم أحمــد
عــــــالم مجنــــــون